الجمعة, سبتمبر 29, 2023
أخبار اللاجئينأوروباهجرة

« أين هي الدولة؟ ».. مهاجرون مهددون بالعودة إلى شوارع مدينة نانت غرب فرنسا

على أطراف مدينة نانت غرب فرنسا، تحتشد خيام المهاجرين داخل صالة رياضية منذ ستة أشهر ليتجاوز عددهم اليوم الـ250 شخصا، يتساءلون عن مصيرهم مع اقتراب موعد إخلاء هذا المكان في شهر حزيران/يونيو دون وجود حل يلوح في الأفق.

تجلس سامية وحيدة إلى جانب فراشها القديم المبتل داخل غرفة صغيرة مليئة بأغراض مبعثرة وبعض الأواني والأوعية، بينما تحضر الأريتيرية الستينية بعض الحساء باستخدام سخان كهربائي صغير.

هذه الغرفة الصغيرة هي المكان الوحيد التي تنعم فيه النيجيرية سامية ببعض الهدوء، ورغم أنها لا تتجاوز السادسة عشر من عمرها إلا أنها تقيم منذ أكثر من أربعة أشهر في صالة جان برنار الرياضية التابعة لإحدى الثانويات المهجورة في المنطقة، وتملكها أبرشية ضاحية سان إيربلان في مدينة نانت غرب فرنسا.

الصالة الرياضية التي كانت في الأساس ملعبا لكرة السلة تبدو وكأنها تحولت إلى بحر هائج تملأه الخيام الخضراء والأغطية. فبحلول نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تم إبعاد نحو 60 مهاجرا من إحدى الساحات العامة في مدينة نانت لوضعهم في الصالة، إلا أنه منذ ذلك الوقت تضاعفت أرقام المهاجرين، إذ باتوا يتوافدون على تلك القاعة باحثين عن سقف يأويهم من البرد والمطر، حتى لامست أعدادهم الـ250.

تقول سامية القادمة من نيجيريا إنها أتت إلى مدينة نانت بعد أن وصلت إلى فرنسا عبر إيطاليا اعتقدت أن الوضع في نانت سيكون أفضل من باقي المدن، وسمعت أن وضع المهاجرين في باريس سيء جدا ولا يوجد سكن، إلا أني تفاجأت أيضا بسوء الوضع هنا. تمضي الشابة وقتها في الصالة الرياضية وتذهب ثلاث مرات أسبوعيا لدورات تعلم اللغة الفرنسية التي تنظمها إحدى الجمعيات المحلية في المنطقة.

تعتبر سامية محظوظة بالنسبة للشابة نيجيسيت، فهي لم تجد مكانا داخل الغرفة الصغيرة المخصصة للنساء، والتي لا تتسع سوى لخمسة أشخاص، فاضطرت برفقة امرأة أخرى إلى البقاء في خيمة وسط الصالة المليئة بالشباب القادمين بشكل أساسي من السودان وأريتريا وغينيا ونيجيريا.

تحمل نيجيست بيدها أوراقا وتبدو أنها لا تفهم ما يتوجب عليها القيام بفعله، فتحاول طلب المساعدة من المهاجرين الجالسين إلى جانبها، ومع غياب الجمعيات الرسمية تحاول الشابة الثلاثينية تدبير أمرها بنفسها.

إلا أن نيجيست ليست وحيدة في مشكلتها هذه، ويطلب الشاب حامد القادم من التشاد المساعدة من أحد الأشخاص التونسيين المتواجدين في المكان. يتوجب على الشاب إكمال ملء ملفه وإرساله إلى مكتب حماية اللاجئين (أوفبرا) من أجل إعادة النظر في طلب لجوئه بعد أن حصل على الرفض الأول لأن لديه بصمات مسجلة في إيطاليا، وبالتالي وفقا لاتفاقية دبلن يحق للدولة الفرنسية رفض طلب لجوئه.

ينام حامد البالغ من العمر 24 عاما في خيمة في نهاية الصالة الكبيرة، لكن من أجل الوصول إلى خيمته يتوجب عليه القفز بين الخيم والمرور عبر الفراش. يضحك أحد المهاجرين قائلا إنها رياضتنا اليومية، علينا اجتياز المتاهة للوصول إلى خيمنا.

يبدو على حامد التوتر، فعليه إرسال ملفه خلال خمسة أيام كأقصى حد.

بتوتر يقول الشاب وصلت إلى فرنسا في العام 2015 إلا أني لم أنعم بأي نوع من الاستقرار حتى الآن، والوضع في الصالة الرياضية هنا غير مقبول. المشاكل تحدث كل ليلة وهو أمر طبيعي، فالظروف السيئة تضع الجميع في حالة توتر دائم لذلك من الممكن أن تحصل مشكلة وتزداد الأمور سوءا بسرعة.

أين هي الدولة؟ لا أحد يفعل أي شيء لنا!

ويشتكي الشاب السوداني سامي من سوء الأوضاع المعيشية، تم التخلي عنا هنا في الصالة الرياضية، فمثلا عندما تحدث مشكلة ما نتصل بالشرطة ورغم وجود مركز لهم لا يبعد سوى دقائق معدودة إلا أنهم يصلون دائما متأخرين.

شاب سوداني آخر يقيم في الصالة الرياضية منذ أربعة أشهر يدل بيده على أحد الخيم قائلا انظر إلى هذه الخيمة الملطخة بالدماء.

المشاكل تحدث يوميا خاصة في المساء في هذه الصالة المكتظة بالمهاجرين التائهين في دوامة الإجراءات الإدارية في فرنسا.

تستنكر جونا المتطوعة في جمعية الكافتيريا الأخرى تردي ظروف المهاجرين التي تزداد سوءا مع الوقت وتقول الوضع هنا لا يطاق، خاصة في المساء. نطلب من الدولة إيجاد حل سريع لكن حتى اللحظة لا يوجد أي حل يلوح في الأفق.

ورغم عدم اقتراح حل آمن لهؤلاء المهاجرين من قبل الدولة الفرنسية، إلا أن السلطات ستنفذ عملية إخلاء لهذه الصالة بعد حوالي شهرين، في حين أن الناشطين والمهاجرين على حد السواء يبدون وكأنهم بانتظار عملية الإخلاء آملين بإيجاد مكان يضمن الحد الأدنى من ظروف الحياة الكريمة.

وأمام مدخل الصالة، يلف الغيني البالغ من العمر 27 عامًا منشفة حول رقبته وبينما يشرب قهوته وبيده قطعة خبز احتفظ بها منذ الأمس، ويتعجب قائلا الكثير من الصحافيين يأتون إلى هنا لتغطية الوضع في الصالة، لكن أين هي الدولة؟ لا أحد يفعل أي شيء لنا!.

وتتقاطع قصص الكثير من المهاجرين المقيمين في الصالة الرياضية، فمنهم من ينتظر موعدا إداريا في محافظة المدينة ومنهم من ينتظر جوابا من مكتب اللاجئين والكثير منهم تم رفض طلب لجوئه نظرا لاتفاقية دبلن. الجميع يقولون إنهم يشعرون بأنه تم التخلي عنهم وتم تركهم لوحدهم.

الخوف من النوم أثناء الليل

أما بالنسبة للرعاية الصحية، كانت الجمعيات قد حذرت من احتمال انتشار أمراض كالجرب والتهاب الكبد نظرا للمكان المتسخ. فعند مدخل الصالة تتجمع أكوام النفايات لتملأ المكان برائحة كريهة.

وفي هذا المكان الذي يأوي أكثر من 250 مهاجر بينهم نساء وشباب يافعين، لا يوجد سوى 3 حمامات بلاستيكية في الباحة الخلفية للبناء. وأما بالنسبة لأماكن الاستحمام، فلا يوجد سوى بضعة صنابير مياه في الداخل لا يتوفر فيها الماء الساخن، ورغم برودة الطقس يضطر المهاجرون إن حالفهم الحظ، إلى الاستحمام بمياه مجمدة.

وابتكر المهاجرون حلا لتأمين حمامات إضافية، فقاموا بحفرة صغيرة في التراب وأحاطوها بشوادر خيمة.

حان وقت وجبة الغذاء، إلا أنه بالنسبة للمهاجرين قد تكون الوجبة عبارة عن القليل من الفشار أو بعض البسكويت. فلا يوجد سوى جمعية الكافيتيريا الأخرى التي تقدم وجبة طعام واحدة كل مساء.

يجلس الشاب السوداني عمر البالغ 30 عاما من العمر بجانب خيمته بينما يستمع إلى بعض الموسيقى ويقوم بشحن هاتفه، فهو لا يجد سوى القليل من الطعام، وكان قد تعرض للاعتداء منذ بضعة أسابيع أثناء تجوله في المدينة ويقول اعتدى علي أحد الأشخاص الذي كان يحاول سرقتي فتعرضت لطعنة في الظهر وللكمات على الوجه أدت إلى كسر فكي، بقيت في المستشفى لمدة أسبوع وخضعت لعملية في الفك السفلي ولا أستطيع أن أتناول سوى الطعام المطحون. حاولت التحدث مع المسؤولين في المشفى واتصلت بخدمة طوارئ السكن 115، لكن دون جدوى.

وبمحاذاة البناء، تتوزع الخيم الصغيرة على الأطراف في الخارج ليس فقط لعدم وجود أماكن إضافية في الصالة لكن أيضا لإيجاد بعض الهدوء، ويقول المهاجر الأريتيري في الليل لا نستطيع النوم، لأن أقل صوت يصدر يملأ القاعة بالضجيج، خاصة أثناء الليل، الصدى يملأ المكان بسهولة.

« لا أحد يشعر بالأمان هنا »، يقول المهاجر الأريتيري وهو يقف إلى جانب خيمة المرأتين. يضيف بسخرية فالخيمة ليس لها مفتاح، بالطبع لا يوجد أي نوع من الأمن هنا بالنسبة للنساء والرجال على حد سواء. نشعر بالخوف هنا.

وبعيدا عن الأجواء المتوترة، يحاول بعض المهاجرين البحث عن حياة طبيعية ويعمل المهاجر الغيني أبوبكر بإتقان على إنهاء تصفيف شعر أحد أصدقائه الشباب ويقول لمهاجرنيوز « أنا كنت أعمل كمصفف شعر في بلدي الأم، الأمر الذي قررت متابعته هنا ولو بشكل مجاني، فقمت بشراء مقص وعدة حلاقة متواضعة من أحد الأسواق الرخيصة في المدينة ».

المصدر / مهاجر نيوز

Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: