غَـزَة أَثِينَا ..

حسام خضرا

بقلم/ حسام خضرا
الوقتُ غير ذي أهمية في مثل هذه الظروف إن كان ساعات أو أيام أو حتى سنوات، فلا نهاية قريبة تلوح في الأفق لما يحدث في الوطن ولا أمل في خيط من النور في نهاية النفق.. لا خيار لك إلا أن تكون لاجئاً فوق لجوئك الأول.. ولا قلق من ذلك لأنك في جميع الأحوال لن تتأثر بهذا اللقب فأنت في الوطن مجرد لاجئ، بل ربما هناك ستحصل على ترقية وتصبح لاجئاً ينتمي للطبقة المتوسطة.

نعم فاللجوء أيضاً طبقات، أدناها تلك الطبقة في الوطن والمحيط العروبي ومتوسطها يبدأ من دول الاستقبال الأول، وكلما ارتفعت إلى أعلى يمكنك أن تحصل على ترقية قد تصل بك يوماً إلى دول الطبقة الأولى.

ولنبقَ في الطبقة المتوسطة التي ارتضينا نحن الذين نسعى منذ البداية لتصحيح اختياراتٍ قررها الآخرون لنا دون حولٍ منا ولا قوة.. فأثينا هي الوجهة الأولى وربما تكون الأخيرة لأولئك الذين فتحوا أذرعهم للحياة منتظرين أن تفتح لهم الحياة ذراعيها أيضاً، فتغيير المكان دائماً مرتبطٌ ببداية جديدة قد تكون أفضل من تلك التي انتهت قبل أن تبدأ في الوطن الذي أحببناه فأذاقنا ما لا قِبَلَ لنا بِه.

فالحياة في أثينا تختلف بشكل كبير عن باقي الدول الأوروبية، ولأننا عاشقون لفوضى الحياة فإننا نفضلها كما أنها تفضلنا عن أي أحدٍ آخر.. فلا شعور يضاهي شعورك كفلسطيني حين تلتقي مع السكان المحليين ويسألونك، “أبو بوي سي؟- من أين أنت؟”، فتجيبهم، “أبو بالاستيني- من فلسطين”، لترى أياديهم قد ارتفعت وصياحهم قد علا بشغف، “ياسر عرفات.. برافو.. برافو”.. نعم فنحن والشعب اليوناني لدينا الكثير بل وأكثر من الشغف للحرية والتمرد وكراهية القيود.

ربما أثينا ليست المدينة المثالية للحياة، لكنها في أسوأ أحوالها تشبهنا وتتقاسم بعض التفاصيل مع مصر التي نُحِب.. وهذه متلازمتنا الدائمة كفلسطينيين أننا نُفَضِل الاختيارات الصعبة، خاصة وأن غالبيتنا يحيا بلا خططٍ، فلكل يوم حكاية ولكل حكاية تفاصيل لكننا نشترك في لَيلِنا، فَلَيلُنا حربٌ داخلية مُستعرة بين آمال من غادرناهم في الوطن وآمالنا والوَقت الذي يَنهَبُنا.

هذه هي أثينا القاسية التي تَرفَعُنا يوماً وتُحَطِمُنا أياماً.. نَلعَنُهَا ونَحنُ بِداخِلها لكننا لا نتوقف عن ذِكرِهَا والاشتياق حين نُغَادِرُهَا فلا نَلبَثُ أَن نَعود فَنَخلَعُ عَنَا الهُموم مع أول كوب من تلك القهوة الباردة التي صارت جرعة يومية غير قابلة للنقاش تحت أي ظرف.. ونعودُ ونلعَنُها مرةً أخرى.

Arabs.gr

Leave a comment